تعتبر جمهورية مصر العربية دولة غنية بالحضارات والآثار التاريخية وقد
تكون الدولة الأولى في العالم التي تملك كنوزاً وآثاراً لا تقدر بثمن تمتد
إلى ما قبل سبعة آلاف سنة مروراً بعصر الفراعنة واليونانيين والرومان
والأقباط حتى عصرنا الحالي وهو تاريخ لا شك في أنه غني بكثير من علوم
السابقين.
ويحق أن يطلق على مصر (أم الدنيا) نظراً لقيمتها التاريخية والعلمية بين
دول العالم، ولن يسعنا استعراض تاريخ مصر بكامله ولكن سنكتفي بالتعرف على
واحدة من أجمل المدن التاريخية المصرية وهي مدينة (الأقصر).
قيمتها التاريخية منذ العصور القديمة
لم تعرف هذه المدينة باسم الأقصر إلا مع الفتوحات الإسلامية، حيث كانت تسمى
بعدة تسميات على مر العصور والحضارات المختلفة التي مرت عليها، ومنها
(أيونو – شمع) أي مدينة الشمس الجنوبية تمييزاً لها عن مدينة الشمس
الشمالية (عين شمس حاليا)، و(واست) بمعنى الصولجان علامة الحكم الملكي،
و(نو آمون) وهو الاسم الذي ذكرت به في التوراة، ويعنى مدينة آمون،
و(الأقصر) وجاءت هذه التسمية بعد الفتح الإسلامي لمصر عندما انبهر العرب
بفخامة قصورها وشموخ صروحها، فأطلقوا عليها هذا الاسم وهو جمع كلمة (قصر).
وعلى الرغم من اختلاف التسميات فإن ذلك لم يفقدها مكانتها العالمية كواحدة من أكثر مدن العالم من حيث الثراء التراثي والثقافي.
وقد ذكرها الشاعر اليوناني هوميروس إذ قال عنها: (هناك في طيبة المصرية حيث
تلمع أكوام الذهب، طيبة ذات المائة باب، حيث يمر في مشية عسكرية، أربعمائة
من الرجال بخيلهم ومركباتهم، من كل باب من أبوابها الضخمة).
وهذا يدل على أنها منذ العصور القديمة كانت مدينة تجارية ومحط أنظار الدول الأخرى.
وكانت العاصمة الإدارية لمصر العليا في عهد الأسرة السادسة الفرعونية في الفترة ما بين (3000- 2100 ق.م).
ولم تتبوأ مكانتها الرفيعة التي عرفت عنها، إلا في أواخر القرن الحادي
والعشرين قبل الميلاد، عندما تمكن أمراء طيبة من توحيد البلاد من البحر
الأبيض شمالاً حتى الشلال الأول جنوباً، وعندما تعرضت مصر لغزوات الهكسوس
القادمين من الشمال.
ووحدت الأرضين، مصر العليا والسفلى، وانتقل بعدها مقر الحكم إلى طيبة وظل بها ما يزيد على الأربعة قرون من الزمان.
وظلت الأقصر قرية صغيرة تابعة لمدينة (قوص) عاصمة الصعيد بعد الفتح
الإسلامي لمصر، ولم يتوقف العدوان والتخريب على تراثها إلا عندما جاء
(نابليون بونابرت) فبهرته عظمة آثارها وسمو حضارتها وروعة عمارتها وفنونها،
بعدما تمكن العالم الفرنسي (شامبليون) من فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية –
الكتابة النقشيه باللغة المصرية القديمة -، ومنذ تلك اللحظة اتجهت الأنظار
إلى مدينة الأقصر، وسلطت الأضواء على معابدها الخربة، واستمرت الأقصر
شامخة بالرغم من الحوادث التي تعرضت لها على مر التاريخ فأصبحت اليوم واحدة
من المدن السياحية الكبرى في العالم.
ملامح التاريخ ونكهة التراث
طالما عرفت مدينة الأقصر بأنها أشبه بالمتحف المكشوف حيث لا يمكن أن تمعن
النظر في أي اتجاه دون أن تلحظ لمسة تاريخية قيمة أو صرحاً تراثياً لجيوش
وعصور قد مضت، وعلى الرغم من أنها تبعد عن القاهرة 620 كم جنوباً، فلا تزال
تعد مخزن الحضارة المصرية القديمة وفيها أكثر من (800) منطقة ومزار اثري
تضم أروع ما ورثته مصر من تراث إنساني.
وتنقسم الأقصر في الحقيقة إلى ثلاث مناطق فهناك مدينة الأقصر من الناحية
الشرقية لنهر النيل، وبلدة كرنك التي تقع شمال الأقصر، ومدينة طيبة التي
تقع في الناحية الغربية من نهر النيل ومقابلة لمدينة الأقصر وهي التي كان
المصريون القدماء يطلقون عليها أسم (واست).
والسياحة لهذه المنطقة ليست بالشيء الجديد فقد عرفت بأنها مرتع للسياح منذ
العصور اليونانية والرومانية التي شهدت وقتها إقبال جموع منهم إلى المنطقة
لمشاهدة جماليات المنطقة المتخمة بالآثار القديمة.
وتوجد بالأقصر الآن ثلاثة طرق رئيسية هي شارع معبد الكرنك، وشارع الكورنيش،
وشارع المحطة وتتفرع منها شبكة الطرق لنواحي المدينة المختلفة، ويتفرع على
جوانب هذه الطرق الكثير من المعالم الحضارية التي شيدتها المدينة لاستقبال
السياح من مختلف أنحاء العالم فتجد محلات القهوة وأسواق كبرى تباع فيها
التحف المنحوتة على الطريقة الفرعونية القديمة وبعض الأزياء المحلية لأهل
المنطقة، ويبلغ التعداد السكاني للأقصر اليوم قرابة الـ150 ألف مواطن. كما
يلاحظ أن المراكز الحكومية في المدينة قد شيدت على النهج الفرعوني كالبنك
الوطني المصري، ومركز الشرطة، ومحطة سكة الحديد، وعلى ما يبدو أن سلطات
المدينة لم ترد لهذه المدينة أن تفقد أصالتها وعراقتها الحضارية في ظل
الثورة الحضارية الحاصلة في وقتنا هذا فأرادت الإبقاء على عراقة الماضي
ومزجه مع التطور الحضاري في صورة عناق جميلة تسحر الأنظار.