.. هي كلمة.. كتمانها لن يضيف إلى العمر هنيهة.. والنطق بها لن ينقص من العمر هنيهة..
.. هي كلمة.. حروفها قذائف تعرف طريقها.. وسهام مصوبة نحو هدفها الصحيح.
.. كلمة تغير العالم.. وتعيد الأمور إلى نصابها، فتجلو الحقيقة.. وتفضح الزيف.. وتقطع الشك باليقين، وتصحح الوعي.
.. كلمة تؤكد أن "الخير فيّ وفي أمتي إلى قيام الساعة"، وأن لله رجالاً.. وللوطن حماة.
.. كلمة لا تعرف التردد.. ولا تعيش خطاها، مثل أن تنطلق ولا تحسب الأمر بموازين المصلحة أو ترتجف خوفًا مما يمكن أن ينتظرها إذا خرجت من الصدر إلى اللسان.
كلمة صاحبها مقاتل يحمل روحه على كفه، ولا تغيب عن وجهه ابتسامة الثقة في أن كلمته تلك يمكن أن تصنع تاريخًا جديدًا.. وترسم خريطة الوطن بمداد الحرية والكرامة.
كلمة إن تجاوزت وقتها.. فقدت قيمتها.. وإن لم تنطلق في لحظة بعينها.. لم يعد مجديًا أن تقال وإن لم يطرق بها على الحديد وهو ساخن.. برد الحديد وتجمد وذهبت طرقاتها عليه هباءً متناثرة في الهواء.
كلمة تمنح قائلها شرف الجهاد.. وتضعه في قائمة ناصعة تزهو بأسماء من لم يحبسوا تلك الكلمة.. ولم يفكروا مرتين قبل أن يقولوها ولم يؤثروا مصلحتهم الشخصية قبل أن ينطقوا بها.. ولم يجعلوا أو يترددوا حين تراءت أمام أعينهم تداعيات كلمتهم والمخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها إن قالوها..
كلمة.. كتمانها فساد.. وإطلاقها طهر.. لا يدرك من يكتمها عظم جريمته في حق نفسه وأسرته ووطنه، وربما أمته.
كلمة.. تربى معظمنا على ألا يقولها إيثارًا للسلامة.. وتعلم معظمنا أيضًا في مدارسنا أن الجهر بها سوء أدب ووقاحة.. وكبرنا.. واكتشفنا أن كثيرًا من السلبيات حولنا لم ترتع وتتضخم إلا في غيبة هذه الكلمة، ورغم ذلك تراجعنا ولم نقلها خشية العواقب.. واكتشفنا مرة أخرى ومتأخرًا جدًا أن عواقب حبس تلك الكلمة أبشع بكثير من عواقب كتمانها..
إنها كلمة "الحق" التي اضطهد بسببها الأنبياء وقتلوا.. وطورد ثمنًا لها المصلحون واستشهدوا.. وسجن في سبيلها المجاهدون وعذبوا.. وكتمها المتقاعسون، فسجلوا أسماءهم بحروف الخزي في سجل العار، وتلوثت جباهم بوصمات الخيانة.. وفقدوا مصداقيتهم واعتبارهم عند خالقهم أولاً، ثم الشعوب التي لا تنسى المتآمرين عليها ولا تسامح خائنيها!
ومن المؤكد أن الجهر بتلك الكلمة الخالدة صعب، ويحتاج إلى كثير من المجاهدة ومغالبة الهوى، ولكن متى كانت مقاومة الظلم سهلة؟ ومتى كان الوقوف في وجه سلاطين الجور يسيرًا؟ ومتى كان ثمن الحرية والنهضة والتغيير رخيصًا..؟ ومتى كان إرضاء الله والفوز بالجنة طريقًا ممهدًا وغير محفوف بالمكاره؟
ومتى كان لحَمَلَة مشاعل الثورات.. ودعاة الإصلاح.. ورجال الحق شعار غير "إن تقلها تمت.. وإن لم تقلها تمت.. فقلها ومت".