ن المؤكد أنكم قد شاهدتموه من قبل عبر شاشات التليفزيون، أو حتى في الواقع، بحجمه الضخم وألوانه الزاهية...
إنه المنطاد، ذلك البالون الكبير الطائر في الهواء.
ومن المؤكد أيضاً أنكم قد تساءلتم عن كيفية تحليقه في جو السماء، بالرغم من هذا الحجم الهائل الذي يتميز به.
في السطور القليلة التالية، دعونا نحدثكم عن المنطاد وتاريخه وكيفية عمله واستخداماته وما إلى ذلك...
ما هو المنطاد: |
شكل غير تقليدي للمنطاد | |
ظهرت المناطيد قبل اختراع أول طائرة بأكثر من قرن من الزمان، والمنطاد هو
بالون كبير الحجم، يتكون من كيس ضخم جداً من القماش المتين، أو من شرائح من
مادة النايلون التي تتميز بخفتها وشدة تحملها للضغط الجوي، ويكسى الجزء
السفلي من هذا الغلاف بمادة خاصة مقاومة للاحتراق لتفادي اشتعال المنطاد
بأثر اللهب، كما أن المنطاد تتصل به سلة من الخوص في أسفله يستقلها ركابه
أو توضع فيها البضائع المراد نقلها، وهذه السلة تصنع من الخوص الذي يتميز
بخفة الوزن وشدة التحمل مع المرونة وهذه المرونة لها أهمية خاصة أثناء
الهبوط لأنها تؤدي إلى التخفيف من صدمة الارتطام بالأرض، كما أن السلة تحمل
في أعلاها موقدا للنار يعمل بغاز الهيليوم أو الهيدروجين.
وتصنع المناطيد بأحجام و أشكال مختلفة، فمنها ما يكون على شكل ألعاب أو
مباني أو حتى على شكل زجاجات المياه الغازية، و لكن الشكل الأكثر استخداما
هو شكل اللمبة التقليدية المقلوبة.
خلفية تاريخية: |
لقطة لأحد المناطيد عام 1936 | |
كان الفرنسي (هنري جيفارد) هو أول من نجح في عام 1852 في تنفيذ أول رحلة
طيران بمنطاد، وكان المنطاد الذي استخدمه في رحلته هذه مزوداً بمحرك ضعيف
قوته 3 حصان فقط، ويزن 160 كيلو جرام، أما البالون الذي استخدمه فكان عبارة
عن كيس بطول 44 متر ملأه بالهيدروجين، وانطلق جيفارد بالمنطاد من باريس
بمعدل سرعة 10 كيلو/ ساعة، ولمسافة بلغت 30 كيلومتراً تقريباً.
وفي عام 1872، نجح المهندس الألماني (بول هيانلين) في أن يكون أول من
يزود المنطاد بمحرك احتراق داخلي، وبعد مرور حوالي عقد من الزمان نجح
الفرنسيان (ألبرت وجاستون تيساندييه) في تركيب محرك كهربائي بالمنطاد، وكان
ذلك بالتحديد في عام 1883، ثم تم بناء أول منطاد من الصلب في ألمانيا عام
1897 بهيكل من صحائف الألمنيوم الرقيقة.
أما أشهر اسم في عالم المناضيد فكان الألماني (فيرديناند كونت فون
زيبلين)، والذي اخترع في عام 1900 أول منطاد له باسم "إل زد-1"، والذي بلغ
طوله 128 متر، وقطره 11.6 متر، وهيكله مصنوع من الألومنيوم يحتوي على 24
عارضة طولية و16 حلقة عرضية، ومزود بمحركين متطورين قدرة الواحد منهما 16
حصاناً، ويطير بسرعة تبلغ 32 كيلو/ ساعة، وقد استخدمت المناضيد التي صنعها
زيبلين في أغراض عسكرية في الحرب العالمية الأولى، حتى إنها عرفت باسم
زيبلين.
|
المنطاد سكاي كات | |
ولكن نتيجة للتطور السريع الذي شهدته صناعة الطائرات في الثلاثينات
والأربعينيات من القرن العشرين، إلى جانب الأعطال المتكررة للمناطيد
وتكاليفها الكبيرة، أصبحت المناطيد مهجورة عملياً منذ أواخر الثلاثينيات.
ومع نهايات القرن العشرين، بدأ الاهتمام يعود تدريجيا إلى المنطاد، حيث
تم تصميم منطاد في بريطانيا أطلق عليه اسم "سكايكات"، وهو الذي يجمع ما
بين مزايا المنطاد والطائرة، وهذا المنطاد يستخدم غاز "الهليوم" كقوة رافعة
إلى جانب أن تصميم الجسم الخارجي يحاكي شكل الطائرة، وسرعته تبلغ 160 كيلو
متر في الساعة.
أما نظام الهبوط في تلك المناطيد فيعتمد على الوسادة الهوائية التي يتم
فتحها عند الهبوط وسحبها أثناء الطيران، وبالتالي فليس هناك حاجة لإعداد
مكان خاص لهبوط المنطاد فيه.
كيف يعمل المنطاد:تقوم فكرة طيران المنطاد على مبدأ علمي مفاده أن الهواء الساخن أخف من
الهواء البارد حيث يعلو فوقه، فيتم ملء الغلاف الداخلي للمنطاد بالهواء
الساخن، ومن ثم يصبح الهواء بداخل المنطاد أخف من الهواء المحيط به من
الخارج؛ فيتمكن بذلك من الارتفاع في جو السماء.
إلا أن استخدام الفرق بين كل من الهواء الساخن والبارد في رفع أحمال
ثقيلة إلى أعلى يتطلب أحجام وكميات هائلة من الهواء الساخن، وإلى ذلك يعزى
الحجم الضخم الذي تتميز به مناطيد الهواء الساخن.
ولكن لا يكفي تسخين الهواء داخل المنطاد إلا للإقلاع والتحليق قليلا،
أما استمرار الارتفاع فيتطلب إعادة تسخين الهواء داخله، ولهذا يستمر وضع
موقد الغاز المشتعل أسفل الغلاف الداخلي للمنطاد.
كيفية الإقلاع والهبوط بالمنطاد: |
ربان المنطاد يستعد لفتح صمام الوقود | |
ينبغي على الربان قبل الانطلاق الرجوع إلى خبراء الأرصاد الجوية بشأن أحوال
الطقس المتوقعة في مكان الرحلة، واتجاهات الرياح، والاطمئنان على أن
الأحوال الجوية شبه مثالية، حيث الأمطار والعواصف تشكل أخطار جسيمة على
المنطاد وركابه من جهة، كما أنه من شأن الرياح العاصفة إتلافه من جهة أخرى.
تبدأ رحلة الإقلاع بالمنطاد بالبحث عن موقع إطلاق ملائم له، ثم ملء غلاف
المنطاد بالهواء، مع توجيه مروحة كبيرة لتبريد الهواء داخل الغلاف الداخلي
للمنطاد، وذلك حتى يتاح لطاقم الطيران استقلال المنطاد، وبعد ذلك يشعل
الربان موقد الغاز المشتعل بأسفل المنطاد، فيسخن الهواء، وعند الإقلاع يزيد
الربان من حجم اللهب عن طريق فتح صمام الوقود أكثر لزيادة الغاز المتدفق،
وعندئذ ينطلق المنطاد مرتفعا في الجو.
وتتطلب قيادة المنطاد في الجو مهارة خاصة، حيث أنه لكي يستطيع الربان
زيادة سرعة ارتفاع المنطاد، فهو لابد من أن يزيد من حجم اللهب مما يؤدي إلى
تسخين الهواء بشكل أسرع.
|
إقلاع المنطاد | |
هذا عن توجيه المنطاد لأعلى أي بشكل رأسي، ولكن كيف يتم توجيه المنطاد
أفقياً في الاتجاهات المختلفة؟
إن هذا يعتمد على ما يقوم به الربان من مناورات أفقية عن طريق تغيير الوضع
الرأسي للمنطاد، حيث أن اتجاهات الرياح تختلف باختلاف الارتفاع، ولذلك
فالربان يصعد أو ينخفض بالمنطاد إلى الارتفاع الملائم ليسير مع الرياح في
الاتجاه الأفقي المطلوب، بل إنه يستطيع التحكم في السرعة الأفقية بنفس
الأسلوب لأن سرعة الرياح تزداد كلما زاد الارتفاع.
أما الهبوط فإن الربان ينسق له مع أعضاء الفريق الأرضي المراقب للمنطاد،
حيث من المهم اختيار موقع مفتوح وواسع وخال من أية أعمدة خطوط كهربائية،
علما بأن الربان بمجرد الإقلاع لا يكف عن البحث عن مواضع ملائمة للهبوط
تحسبا لأي طارئ، كما يجب على الربان مراعاة الهبوط التدريجي على شكل وثبات
متتالية للتخفيف من حدة الارتطام.
أنواع المناضيد:تختلف أنواع المناطيد من حيث شكل البناء إلى منطاد غير صلب، ومنطاد نصف
صلب ومنطاد صلب،
النوع الأول من المناطيد، المرن "غير الصلب" هو مجرد بالون تعلق تحته السلة
بالحبال، ولكن يعيبه أنه في حالة حدوث تسرب للغاز منه، فإن البالون يتهاوى
بكل بساطة.
أما المنطاد نصف الصلب فيحتوي على إطار معدني، يمتد على كامل حجم البالون،
وبالتالي يجعله يحتفظ بشكله، كما يوفر دعامة صلبة لتعليق السلة عليها.
وأخيرا فالنوع الصلب هو عبارة عن هيكل من قضبان من الألمنيوم الخفيف
تكسى بالقماش، وبدلاً من بالون واحد كبير، يتضمن المنطاد الصلب عدة بالونات
أصغر حجماً، يمكن ملء أو إفراغ كل منها على حدة، كما أن البنية الصلبة
تحتفظ بشكل المنطاد بغض النظر عما إذا كان مملوءاً بالغاز أو فارغاً منه.
كما أن للمناطيد أنواع أخرى تختلف تبعا للغاز المستخدم فيها، فمنها ما
يستعمل غاز الهيليوم الخفيف غير القابل للاشتعال، ومنها ما يستخدم
الهيدروجين وهو أخف من الهيليوم ويتميز بقوة رافعة أكبر، ولكنه غاز شديد
الاشتعال، وهذا ما يجعله خطراً.
ولذلك يفضل صانعي ومرتادي المناطيد استخدام الهيليوم لأسباب الأمن والسلامة.
استخدامات المنطاد:تتعدد استخدامات المناطيد فهناك مناطيد تستخدم للرياضة والمتعة، وهناك
أخرى تستخدم في بعض المجالات العلمية والعسكرية، أو حتى لنقل الركاب ونقل
البضائع بسعات كبيرة، كذلك يستخدم المنطاد في الرصد الجوي.
كما يمكن استخدام المناطيد لأغراض الدعاية والاتصالات والإعلانات، حيث
يبقى المنطاد معلقاً في الهواء على ارتفاع 3000 متر، ومحملاً بتجهيزات بث
متطورة، ويمكن له كذلك أن يكون محطة اتصالات سريعة التجهيز عند الطلب
ورخيصة التكاليف جداً لبث الإشارات اللاسلكية للهاتف المحمول، وحزم
الاتصالات عريضة النطاق.
أما فيما يتعلق بالإعلانات، فإن المنطاد يوفر منصة عرض ضخمة وزهيدة
التكلفة تثبت فوق الأحياء و المدن، وذلك لعرض الأفلام والإعلانات الدعائية.
رياضة التحليق بالمنطاد: |
منطاد على شكل حيوان خرافي | |
تنتشر رياضة التحليق بالمناطيد في معظم الدول الأوربية و أمريكا و خصوصا
الدول التي توجد بها سهول لان هذه الرياضة تحتاج إلى سهول واسعة و ليس إلى
جبال و تلال، و عربياً توجد رياضة التحليق بالمناطيد في بعض الدول العربية
مثل لبنان و الأردن و مصر و تونس و غيرها ...
ويشارك الكثير من هواة الطيران بالمناطيد في السباقات و المهرجانات و
المعارض الجوية، و يهوى البعض وخاصة من طبقة الأثرياء مجرد التحليق فوق
المناطق الريفية للتنزه، كما قد تستخدم المناطيد في رياضات جوية أخرى، مثل
استخدامها للقفز المظلي أو الحر، أو في إسقاط طائرات الدلتا الشراعية.