ها نحن نودع عاماً كاملاً من أعوام العمر، فما أسرع ما مضى وانقضى، وما أعظم ما حوى، فكم من حبيب فيه فارقنا، وكم من اختبار وبلاء فيه واجهنا، وكم من سيئات فيه اجترحنا، وكم من عزيز أمسى فيه ذليلاً، وكم من غني أضحى فيه فقيراً، وكم من حوادث عظام مرت بنا ولكن أين المعتبرون المبصرون،
إن الليالي والأيام خزائن للأعمال ومراحل للأعمار، تبلي الجديد وتقرب البعيد، أيام تمر وأعوام تتكرر، وأجيال تتعاقب على درب الآخرة، فهذا مقبل وهذا مدبر، وهذا صحيح، وهذا سقيم، والكل إلى الله يسير.
فانظر أيها الحبيب في صحائف أيامك التي خلت، ماذا ادخرت فيها لآخرتك، واخل بنفسك وخاطبها: ماذا تكلم هذا اللسان، وماذا رأت العين، وماذا سمعت هذه الأذن، وأين مشت هذه القدم، وماذا بطشت هذه اليد، وأنت مطلوب منك أن تأخذ بزمام نفسك وأن تحاسبها، يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يكون مع نفسه أشد من الشريك مع شريكه".
...
فلنحاسب أنفسنا على الفرائض، ولنحاسب أنفسنا على المنهيات، ولنحاسب أنفسنا على الغفلات، فنحن نمتطي عربة الليالي والأيام تحث بنا السير إلى الآخرة.
طوبى لعبد انتفع بعمره فاستقبل عامه الجديد بمحاسبة نفسه على ما مضى وتاب إلى الله عز وجل، وعزم على ألا يضيع ساعات عمره إلا في خير، لأنه يذكر دائماً قول نبيه :
((خيركم من طال عمره وحسن عمله)) ،
وهو يلهج دائما بدعاء النبي :
((اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر))مشاهدة المزيد